هل سبق لك أن فكّرت في عدد المرات التي تبتسم فيها، أو في كل نفس تأخذه دون وعي؟ خلف هذه اللحظات البسيطة يعمل الجهاز العضلي بصمت، في هذا المقال سنأخذك في جولة داخل العضلات، لنتعرف على وظائفها، وأهميتها لصحتنا، وكيفية الحفاظ على قوتها وسلامتها.
تُعرّف العضلات على أنها الأنسجة الليفية التي تقوم بسحب وتحرير الهياكل في جسم الإنسان من خلال الانقباض والانبساط، تكون متصلة بالعظام، والأوعية الدموية، والأعضاء الداخلية. وهي جزء أساسي من الجهاز العضلي.
تُمثل العضلات ما يقرب من 40٪ من وزن الجسم. ويحتوي جسم الإنسان على أكثر من 600 عضلة والتي تساعد على الحركة والجلوس و هضم الطعام والرؤية والتنفس.
أنواع عضلات الجسم ووظائفها:
للعضلات أنواع مختلفة تعمل بتناغم مذهل داخل أجسامنا، بعضها نستطيع التحكم به، وتسمى عضلات إرادية، مثال على ذلك تحريك إبهامك لقراءة هذا المقال. وبعضها يعمل بشكل تلقائي دون أن نشعر، وتسمى عضلات لا إرادية، مثال على ذلك عضلة القلب أثناء التنفس. ولكل نوع منها وظيفة خاصة ومكان محدد في الجسم. سنتعرف على الأنواع الثلاثة الرئيسية لعضلات الإنسان، ونكتشف الفرق بينها من حيث الشكل، الوظيفة.
- العضلات الهيكلية (Skeletal muscles):
هي عضلات إرادية متصلة بالعظام عن طريق الأوتار، و تقوم هذه العضلات بدعم وتحريك الهيكل العظمي للجسم.
تُسمى العضلات الهيكلية أيضاً بالعضلات المخططة؛ لأن الأنسجة تبدو مخططة عند رؤيتها تحت المجهر.
- العضلات الملساء (Smooth muscle):
هي عضلات لا إرادية، لا يتحكم الإنسان بحركتها. توجد العضلات الملساء في تجاويف الأعضاء الداخلية -بإستثناء القلب- والأوعية الدموية و الممرات التنفسية، الجهاز الهضمي والمسالك البولية وغيرها. سُميت العضلات الملساء بهذا الإسم؛ لعدم ظهورها بشكل مخطط تحت المجهر.
- العضلات القلبية (Cardiac Muscle):
يغطي هذا النوع من العضلات اللاإرادية جدران القلب، وتكون مسؤولة عن الحركات النبضية للقلب، وتساعده على ضخ الدم. تنقبض العضلات القلبية حوالي مئة ألف مرة باليوم الواحد، وتظهر تحت المجهر بشكل مشابه للعضلات المخططة إلا أن العضلات القلبية أقل طولاَ وأكثر سماكة.
أهمية عضلات جسم الإنسان:
تكمن أهمية الجهاز العضلي في تمكين الجسم من أداء حركاته اليومية بكفاءة، وهو مسؤول بشكل مباشر عن الحركة، التوازن، والتفاعل مع البيئة المحيطة. ولا تقتصر أهميته على الحركة فقط، بل تمتد لتشمل العديد من الوظائف الحيوية التي تؤديها عضلات الإنسان في مختلف أجهزة الجسم. إليكم بعض هذه الوظائف:
- تعد العضلات أساسية للحركة والقوة في جسم الإنسان، فهي تعمل كمولد للحركة من خلال الانقباض والانبساط، يحدث ذلك أثناء التحدث أو تعابير الوجه أو الكتابة.
- بدون عضلات قوية ومرنة يصبح من الصعب القيام الأنشطة اليومية، مثل المشي والركض والرفع والتحرك، حيثُ تعمل العضلات على دعم وتأمين العظام والمفاصل، مما يسمح بالقوة والثبات أثناء الحركة.
- حماية أعضاء الجسم الداخلية من الصدمات أو الإصابات الموجهة لها من الخارج.
- تعد العضلات أيضاً العامل الرئيسي لزيادة القوة والقدرة البدنية، من خلال ممارسة التمارين ورفع الأثقال، يمكن للعضلات أن تزيد من قوتها وحجمها وتعزز قدرتنا البدنية.
- عند ممارسة النشاط البدني، تُنتج العضلات حرارة نتيجة لعمليات الأيض التي تحدث بها. هذه الحرارة الناتجة تساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم المناسبة وتعمل على حرق السعرات الحرارية والدهون.
- ضخ الدم عبر القلب والأوعية الدموية.
- الرؤية والسمع
كيف تعمل العضلات؟
لكي تتحرك عضلاتنا وتؤدي وظائفها، فهي تحتاج إلى آلية خاصة تساعدها على ذلك. هذه الآلية تعتمد على عمليتين أساسيتين، هما الانقباض والانبساط. كيف يحدث ذلك؟
يبدأ الانقباض عندما يرسل الدماغ أو الحبل الشوكي إشارة عصبية عبر العصب إلى العضلة المستهدفة، عند نهاية العصب يتم إطلاق مادة كيميائية تسمى أستيل كولين (Acetylcholine) في نقطة الاتصال مع العضلة (الموصل العصبي العضلي).
يتفاعل الأستيل كولين مع مستقبلات على سطح الألياف العضلية، فيحدث جهد فعل ينتشر على الغشاء العضلي. ينتج عن جهد الفعل إطلاق أيونات الكالسيوم (Ca²⁺) من الشبكة الساركوبلازمية داخل الخلية العضلية.
ترتبط أيونات الكالسيوم ببروتين يُسمى تروبونين، مما يؤدي إلى تغيير في وضعية بروتين آخر هو تروبوميوسين، ويكشف عن مواقع ارتباط على خيوط الأكتين. تتفاعل خيوط الميوسين مع خيوط الأكتين، وتسحبها باستخدام الطاقة الناتجة من تحلل أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) فيحدث الانقباض.
عند انقطاع الإشارة العصبية، يتوقف إفراز الأستيل كولين، مما يؤدي إلى إعادة ضخ أيونات الكالسيوم إلى داخل الشبكة الساركوبلازمية. ومع انخفاض تركيز الكالسيوم، يعاود التروبوميوسين تغطية مواقع ارتباط الأكتين، مما يمنع تواصله مع خيوط الميوسين. نتيجة لذلك، تتوقف عملية الانقباض وتستعيد العضلة حالتها الطبيعية، أي حالة الانبساط.
الإصابات والمشاكل الشائعة في العضلات
عند ممارسة الرياضة أو الأنشطة البدنية أو حتى في حياتنا اليومية عند القيام بحركات عنيفة، يمكن أن تتعرض عضلات جسمنا لإصابات ومشاكل مختلفة والتي غالباً يمكن علاجها بالمنزل، من أبرز المشاكل التي تصيب الجهاز العضلي:
- تمزق العضلة:
عند تعرض العضلات للإجهاد الزائد، يمكن أن يحدث تمزق في الألياف العضلية. يحدث هذا نتيجة لرفع أو حمل أشياء ثقيلة، أو تمرينات قوية بدون تمهيد العضلات بشكل كافٍ. لعلاج هذه الإصابة، يجب الراحة وتطبيق الثلج واستخدام وسائل العلاج الطبيعي.
- تشنج العضلات أو الشد العضلي:
تحدث التشنجات عند انكماش العضلة بشكل مفاجئ ولا إرادي، ويصعب رجوعها لوضعية الإسترخاء. يحدث ذلك نتيجة للإرهاق العضلي، أو نقص السوائل في الجسم، أو التوتر. لتخفيف التشنجات يُنصح بتمديد العضلات بلطف وشرب السوائل الكافية.
- آلام والتهاب العضلات:
قد يعاني بعض الأشخاص من آلام في العضلات والتهاباتها، ويمكن أن تحدث هذه الآلام نتيجة للتدريب المكثف، أو الإجهاد، أو الإصابة. لعلاج هذه المشكلة، ينصح بالراحة واستخدام كمادات الثلج لتخفيف الالتهاب والألم. أيضا يمكن أن تُلحق الالتهابات البكتيرية والفيروسية الضرر بألياف العضلات
ليست كل مشاكل العضلات مجرد تعب أو تشنج مؤقت، فبعضها قد يكون أكثر خطورة، ويؤثر بعمق على قدرة الإنسان على الحركة والعيش بشكل طبيعي. من هذه المشكلات:
- ضمور العضلات:
أمراض تسبب فقدان الكتلة العضلية تدريجياً، يعني أن العضلات تصبح أصغر وأقل قوة مع الوقت، مما يجعل الحركة والأنشطة اليومية أصعب.
- التصلب الجانبي الضموري (ALS):
يعرف أيضاً باسم مرض لو جيهريغ، هو مرض عصبي خطير يؤثر على الخلايا العصبية الحركية المسؤولة عن التحكم في حركة العضلات. يهاجم الأعصاب التي ترسل إشارات من الدماغ والنخاع الشوكي إلى العضلات، ومع الوقت تموت هذه الأعصاب، فتتوقف العضلات عن العمل وتبدأ بالضعف ثم الضمور.
طرق تعزيز قوة العضلات والحفاظ على سلامتها
تمامًا كما تمنحنا العضلات القوة والحركة، فإنها تستحق منا العناية والاهتمام. وبخطوات صغيرة يمكننا دعم صحة الجهاز العضلي والحفاظ على سلامته، من خلال:
- ممارسة التمارين الرياضية المتنوعة، مثل رفع الأثقال واليوغا، مع ضرورة البدء بتمارين الإحماء وتهيئة الجسم.
- المحافظة على نظام غذائي صحي متوازن وغني بالبروتينات لتغذية العضلات. من هذه الأغذية الخضراوات والفواكه، والحبوب الكاملة، اللحوم والدجاج والمأكولات البحرية، والدهون غير المشبعة.
- التأكد من الراحة والاسترخاء بعد التمرين وتجنب الإفراط في التدريب، لضمان تعافي العضلة.
- الإقلاع عن التدخين.
- المحافظة على وزن صحي مثالي ضمن المعدلات الطبيعية. قد يسبب الوزن الزائد إصابات، كما أنه يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم.
العضلات ليست مجرد أنسجة تنقبض وتنشط لتحريك أجسامنا، بل هي الأساس الذي يبقينا قادرين على التفاعل مع العالم من حولنا. من أول خطوة نخطوها إلى أبسط ابتسامة، تلعب العضلات دورًا جوهريًا في جودة حياتنا. لهذا، فإن الاهتمام بها ليس خيارًا، بل ضرورة.