هل فكرت يوماً لماذا نشعر بالألم عند لمس جسم ساخن؟ أو عند اصطدامنا بأثاث المنزل أثناء السير؟ أو حتى عندما يقوم أحدهم بقرصك أثناء المزاح معك؟ في هذه المقالة سنتعرف عزيزي القارئ على كيفية شعور الإنسان بالألم، والرحلة التي تقطعها الإشارات العصبية عبر الجهاز العصبي لتصل إلى الدماغ.
يُعرف الألم على أنه عملية فسيولوجية معقدة، و شعور بغيض غير مريح في الجسم، و غالباً ما يكون إشارة تحذيرية تشير إلى وجود مشكلة في الجسم تحتاج إلى علاج، سواء كان هذا الألم ناتجاً عن خلل عضوي أو اضطراب عصبي. قد يظهر بشكل مفاجئ أو على مراحل، وقد يكون بسيطاً أو شديداً.
كيف يشعر الإنسان بهذا الألم؟
في حياتنا اليومية نختبر الألم بمختلف أشكاله، سواء كان ألماً ناتجاً عن جرح أو حرق أو غيرهم، يكمن وراء هذا الشعور سلسلة من الأحداث داخل جسم الإنسان تبدأ من الجلد وتنتهي في الدماغ. فما هو التفسير العلمي للألم؟
الألم وظيفة حيوية للجهاز العصبي وله الدور الرئيسي في آلية الشعور به، لتوضيح آلية حدوثه، تخيل أنك أمسكت جسماً ساخناً، تنتقل هذه الرسالة -الألم- إلى الدماغ عبر ما يسمى مستقبلات الألم (Nociceptors) وهي عبارة عن مستقبلات حسية توجد في نهاية الأعصاب.
هذه المستقبلات تكتشف الألم وتنقله إلى الجهاز العصبي المركزي (الحبل الشوكي ثم الدماغ)، و توجد في أجزاء مختلفة من الجسم، في الأنسجة الخارجية، مثل: الجلد، وفي الأنسجة الداخلية، مثل: الأمعاء والمثانة.
عندما يتم تحفيز مستقبلات الألم عن طريق الحرارة، أو الضغط، أو المواد الكيميائية فإنها تُطلق الناقلات العصبية داخل الخلايا.
والناقلات العصبية هي مواد كيميائية لا يستطيع الجسم العمل بدونها، تنقل الإشارات العصبية من خلية عصبية إلى أخرى. كلما زادت شدة الألم، زادت كمية الناقلات العصبية المفرزة داخل الجهاز العصبي المركزي، والتي تستقبلها مناطق معينة في الدماغ.
تنتقل إشارة الألم بواسطة الناقلات العصبية من مستقبلات الألم إلى النخاع الشوكي ثم إلى المهاد في الدماغ، الذي ينقلها بدوره إلى المناطق المسؤولة عن تفسير الشعور، كالقشرة الدماغية حينها يفهم الدماغ أن هناك ألماً و يحدد الاستجابة المناسبة، مثل سحب اليد في المثال المذكور.
يمكن للدماغ أيضاً أن يرسل إشارات إلى النخاع الشوكي لتقليل أو زيادة شدة الألم حسب الموقف.
و قد أظهرت الأبحاث أن الأفراد يمتلكون كميات مختلفة من الناقلات العصبية، ما يفسر تفاوت الإحساس بالألم بين الناس. علاوة على ذلك، وجدت الدراسات الحديثة أن التركيب الجيني يمكن أن يؤثر على حساسية الشخص للألم، و استجابته للمسكنات.
على الرغم من أن الدماغ هو مركز الإحساس بالألم في الجسم، لكن المدهش أن الدماغ نفسه لا يحتوي على مستقبلات للألم. لذلك، يمكن إجراء بعض العمليات الجراحية على الدماغ وهو في حالة وعي تام، باستخدام التخدير الموضعي فقط لتسكين الأنسجة المحيطة، دون الحاجة لتخدير أنسجة الدماغ ذاتها. من أبرز الأمثلة على ذلك عمليات التحفيز العميق للدماغ (Deep Brain Stimulation - DBS)، التي تُستخدم لعلاج أمراض مثل مرض الرعاش وباركنسون.
أنواع الألم:
يتفرع للألم عدة أنواع، ولكن هناك نوعان رئيسيان حسب مدة الشعور بالألم:
- الألم الحاد (Acute pain):
هو ألم قصير المدى، يحدث نتيجة إصابة واضحة، مثل: كسر، حرق، أو جراحة. يستمر هذا النوع من الألم من بضع دقائق إلى عدة أسابيع، ولكنه لا يتعدى الستة أشهر. عند شفاء الإصابة، يختفي الألم دون الحاجة لعلاج مستمر.
- الألم المزمن (Chronic pain):
هو ألم طويل المدى، يستمر لأشهر أو حتى سنوات. قد يظهر حتى بعد شفاء الإصابة. ينتج عادةً عن أمراض مثل التهاب المفاصل أو الألم العضلي الليفي. يحتاج هذا النوع إلى تدخل طبي مستمر من أجل علاج الألم وتقليل تأثيره على جودة الحياة.
أسباب الشعور بالألم:
هناك عدة عوامل تؤدي للشعور بالألم أو تزيد حدته، من هذه العوامل:
- العمر
يؤثر عمر الإنسان على شعوره بالألم، حيث يشعر الأطفال وكبار السن بالألم بطرق مختلفة، وتختلف استجابة الجسم له مع التقدم بالعمر نتيجة تغيرات في الجهاز العصبي.
- الجنس
أظهرت دراسات أن النساء قد يشعرن بألم أقوى في بعض الحالات، بسبب التغيرات الهرمونية.
- الوراثة
هناك عوامل وراثية تُؤثر على إحساس الإنسان بالألم، بعض الأشخاص يرثون مستقبلات ألم أكثر حساسية، مما يجعلهم أكثر عرضة للشعور بالألم، هناك أيضاً حالات نادرة لأشخاص لا يشعرون بالألم بسبب خلل جيني.
- العمليات الجراحية
الشعور بالألم بعد العمليات الجراحية أمر طبيعي، ولكن في بعض الحالات قد يزيد الإحساس بالألم نتيجة لحصول إلتهاب أو تهيج في أنسجة الجسم.
- الإجهاد و الإضطرابات النفسية
يمكن للحالة النفسية أن تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان وتزيد من حدة الألم، حيث الأشخاص الذين يعانون من التوتر أو الإكتئاب يشعرون بالألم بشكل أشد.
طرق تشخيص سبب الألم بدقة؟
يبدأ تشخيص المرضى عادة بسؤال الطبيب عدة أسئلة تخص تحديد موضع الألم وشدته بدقة أو بشكل تقريبي، ثم يُجري فحوصات تشخيصية، منها:
- تحاليل الدم:
تكشف وجود التهابات أو أمراض مثل فقر الدم أو اللوكيميا.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI):
فحص تصويري باستعمال المجال المغناطيسي لأعضاء وأنسجة الجسم الداخلية، يستخدم في حالات الأورام، أمراض الأذن الداخلية، و السكتة الدماغية.
- الأشعة السينية:
إجراء طبي سريع وغير مؤلم، يلتقط صوراً للهيكل الداخلي للجسم، يستخدم هذا الإجراء في حالات الكسور و التهاب المفاصل.
- الأشعة المقطعية (CT):
يُنشئ هذا النوع من التصوير صوراً دقيقة للجسم باستخدام تقنية الأشعة السينية، يستخدم للكشف عن وجود أي نزيف أو إصابات داخلية بعد الحوادث.
- الموجات فوق الصوتية:
يستخدم لالتقاط صور الأجزاء الداخلية من الجسم و لاكتشاف العيوب غير المرئية، مثل: تشخيص التهاب المرارة، و مراقبة صحة الجنين أثناء الحمل.
- الاختبارات الجينية:
يتم في هذا الفحص تحديد الطفرات والتغيرات التي تحدث في الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) التي قد تؤثر على الإحساس بالألم.
طرق إدارة الألم:
تتعدد الطرق المستخدمة لإدارة الألم حسب نوع الألم وشدته وأعراضه، ومن هذه الطرق:
- المسكنات:
هناك عدة أنواع من المسكنات تختلف حسب آلية عملها ومكان الألم، تُستخدم في حالات الصداع والآلام غير العصبية. من الأمثلة على المسكنات: الأسيتامينوفين، و مضادات الإلتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs).
- الأدوية الأفيونية (بالإنجليزية: Opioid):
تعد هذه الأدوية أقوى مسكنات الألم و التي تعمل على خلايا الدماغ، تُحقن هذه المسكنات عبر الدم، و تعمل بآلية مختلفة عن المعتاد، حيث تتحد مع مستقبلات الأفيونات داخل الدماغ، بالتالي تُبطئ أو توقف عملية نقل الألم إلى الجهاز العصبي، تُستخدم في حالة الأمراض الشديدة، مثل: السرطان، من الأمثلة على هذه الأدوية: الترامادول، المورفين، الفنتانيل.
- العمليات الجراحية:
إجراء طبي يتضمن شقّ وخياطة جزء من جسم المريض لمعالجة إصابة أو مرض أو تشوه، مثل: إزالة الزائدة الدودية الملتهبة.
- أدوية التخدير الموضعي:
يعمل التخدير الموضعي على منع الأعصاب من إيصال رسالة الألم من المنطقة المصابة إلى الدماغ، يتوفر هذا النوع من الأدوية بعدة أشكال، مثل: البخاخات، الكريمات، و المواد الهلامية. يُستخدم التخدير الموضعي في حالات الجروح المفتوحة، تقرحات الأسنان واللثة، الحروق الخفيفة، أو يستخدم في إجراءات أكثر جدية، مثل: خزعة الجلد، أو خزعة نخاع العظم.
- العلاج الطبيعي:
تساعد تمارين العلاج الطبيعي على الحركة، وتخفيف الألم المزمن.
- العلاج النفسي:
يؤثر الشعور بالألم وخاصة الألم المزمن على الاستمتاع بالنشاطات اليومية، والذي يؤدي إلى الإكتئاب، لذلك يساعد المعالج النفسي المريض على التأقلم والتعايش مع الألم.
- الطب البديل:
وهي ممارسات علاجية غير تقليدية لا تنتمي إلى الطب الحديث، مثل: الوخز بالإبر، أو اليوغا، أو العلاج بالتدليك. وتساعد تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق على تنظيم الإشارات العصبية وتهدئة الجهاز العصبي، مما يخفف الإحساس بالألم.
- الحرارة أو البرودة:
في بعض الحالات المرضية وحسب نوع الألم يمكن استخدام الكمادات الباردة أو الساخنة حسب نوع الإصابة.
- الراحة:
قد تكون الراحة هي الخيار الأفضل إذا كان الألم بسبب إصابة أو إرهاق جزء من الجسم.
إن فهمنا لطبيعة الألم ودور الدماغ والجهاز العصبي في معالجته يمنحنا حلول أكثر فعالية لتقليل الألم، بالتالي تحسين حياة الأفراد وتعزيز قدرتهم على التفاعل مع العالم بطريقة إيجابية.
عدم الاحساس الخلقي بالألم (CIP):
يُعرف عدم الإحساس الخُلقي بالألم باسم Congenital Insensitivity to Pain وهو هو اضطراب وراثي نادر يُولد فيه الإنسان غير قادر على الشعور بالألم الجسدي منذ الولادة. تحدث هذه الحالة نتيجة طفرات جينية تؤثر على الأعصاب المسؤولة عن نقل إشارات الألم إلى الدماغ، ومن أبرز الجينات المرتبطة بها SCN9A. عندما يتعطل هذا الجين، تتوقف إشارات الألم عن الوصول بشكل طبيعي، دون أن تتأثر الحواس الأخرى مثل اللمس أو الضغط.
ورغم أن غياب الألم قد يبدو جيدًا في الظاهر، إلا أنه في الحقيقة خطير جدًا؛ لأن المصاب لا يشعر بأي تحذير عند التعرّض للأذى، ما يعرّضه باستمرار لمخاطر كبيرة. فقد يتعرض لكسور أو جروح أو حتى نزيف داخلي دون أن يدرك، ولا يُلاحظ ذلك إلا بعد ظهور أعراض متأخرة.
من الأمثلة الواقعية، أن يعض الطفل المصاب لسانه دون أن يشعر، أو يلمس شيئًا ساخنًا ويحترق دون أن ينتبه. لهذا السبب يحتاج المرضى إلى مراقبة مستمرة ووعي دائم بالمخاطر، نظراً لغياب أحد أهم أنظمة الحماية الطبيعية في الجسم.
في الختام يمكننا أن نرى بأن الألم ليس مجرد شعور مزعج، بل هو آلية متكاملة تقوم بها أجسامنا، وعلى الرغم من أن الألم يبدو سلبياً الا أنه يساعدنا على تجنب المزيد من الضرر عند الكشف المبكر.